في سياق يتسم بتصاعد القيود على الحريات الأساسية، أصدر الائتلاف المغربي لهيآت حقوق الإنسان بياناً قوياً يدق ناقوس الخطر بشأن انتهاك ممنهج لواحد من أهم حقوق الإنسان في دولة الحق والقانون: الحق في التنظيم. البيان، الذي صدر في فاتح يونيو 2025، حمّل السلطات الإدارية مسؤولية الامتناع غير المبرر عن تسليم وصولات الإيداع القانونية لجمعيات وهيآت سياسية ونقابية، رغم احترامها للمقتضيات التشريعية الجاري بها العمل.
هذا السلوك الإداري، الذي وصفه الائتلاف بـ”الشطط الممنهج” و”تحقير لأحكام القضاء”، يعيد إلى الواجهة النقاش العميق حول الحريات العامة بالمغرب، ويطرح تساؤلات حقيقية حول مدى التزام الدولة بدستور 2011، الذي كرّس في فصله 12 الحق في تأسيس الجمعيات، وكذا بالاتفاقيات الدولية التي صادقت عليها المملكة.
ما يثير القلق أكثر، هو أن الضحايا المباشرين لهذا الانتهاك، هم من بين أعرق الجمعيات الحقوقية بالمغرب، ومنها الجمعية المغربية لحقوق الإنسان، والعصبة المغربية للدفاع عن حقوق الإنسان، والهيئة المغربية لحقوق الإنسان، وهي كلها مكونات فاعلة داخل الائتلاف الحقوقي.
فهذه الجمعيات، ورغم احترامها التام لمسطرة تجديد هياكلها، لم تتوصل بوصل الإيداع، لا وطنياً ولا جهوياً ولا محلياً، منذ شهور وسنوات.
الأمر لم يعد يقتصر على تأخير إداري أو خلل تقني، بل أصبح يعكس – حسب البيان – إرادة سياسية غير معلنة لضرب استقلالية الفعل الحقوقي الحر، وتضييق ممنهج على التنظيمات غير المسايرة للخطاب الرسمي، وهو ما يشكل تراجعاً خطيراً عن مكتسبات عقود من النضال المدني والحقوقي.
إن ما يكشفه البيان هو أن الإدارة، المفترض فيها الحياد والامتثال للقانون، باتت طرفاً مباشراً في معركة خفية ضد التنظيم المستقل، وهو ما يتنافى مع المادة 22 من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية، التي تضمن الحق في حرية تكوين الجمعيات والانضمام إليها.
كما أن تحقير الأحكام القضائية الصادرة لصالح الجمعيات المتضررة، يمس بمصداقية العدالة، ويعمّق أزمة الثقة في المؤسسات.
رداً على هذا الوضع المقلق، أعلن الائتلاف عن سلسلة من المبادرات التصعيدية، في طليعتها إطلاق حملة وطنية تحت شعار: “لن تُشمعوا جمعياتنا ولا أفواهنا”.
كما تم الإعلان عن تنظيم يوم وطني للاحتجاج، وإطلاق عريضة وطنية، فضلاً عن التوجه نحو الآليات الأممية، من خلال مراسلة المقررة الخاصة بحرية التنظيم، والدعوة لزيارة ميدانية للمغرب للوقوف على حقيقة الوضع.
هذه الخطوات تعبّر عن إصرار الحركة الحقوقية المغربية على الذود عن حق وجودها واستمرارها كقوة اقتراحية ومراقِبة، ورفضها تحويل وثيقة بسيطة – وصل الإيداع – إلى أداة ابتزاز سياسي وإداري.
البيان، وإن حمل لغة احتجاجية قوية، اختار أيضاً توجيه نداءات للمؤسسات الدستورية، والحكومة، والبرلمان، والمجلس الوطني لحقوق الإنسان، للتحرك العاجل من أجل وقف هذه الانتهاكات، التي لا تسيء فقط للضحايا المباشرين، بل تمس أيضاً بصورة المغرب دولياً، خصوصاً في ظل تقارير دولية عديدة تنتقد تراجع مؤشرات حرية التنظيم والتجمع السلمي.
في الختام، تظل معركة وصل الإيداع أكثر من مجرد نزاع إداري، إنها معركة حول مصير المجتمع المدني المغربي، وحول قدرة الدولة على احترام التزاماتها الدستورية والدولية.
فهل يستجيب صناع القرار؟ أم أن طريق التقييد والتضييق سيظل هو العنوان الأبرز للمرحلة؟
بقلم زهير أصدور، موقع الحدث الإفريقي في 1 يونيو 2025
ملاحظة: جميع مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر موقع Csosupport