تجاوز دور المجتمع المدني التأطير والتوعية، ليشارك في عملية صنع قرار السياسات العمومية في المغرب على المستوى المحلي والوطني باعتبارها إحدى أهم مسؤولياته إلى جانب مؤسسات الدولة التشريعية والبلديات والمؤسسات العمومية، كما يعتبر المجتمع المدني شريكا أساسيا في ورش الحوكمة نظرا إلى دوره المحوري في تحديد الأولويات، والتعبئة والترافع حول قضايا المجتمع وفضاء للتوعية والتفاعل مع المواطنين اعتمادا على مبدأي النزاهة والمساءلة.

وأكد محمد بشير الراشيدي، رئيس الهيئة الوطنية للنزاهة والوقاية من الرشوة ومحاربتها (مؤسسة دستورية)، أن البيئة الملائمة لتعزيز التزام المواطنين تستدعي أيضا مواطنين واعين بدورهم في بناء مجتمع المستقبل وما يستوجب ذلك من مسؤولية وتعبئة للتصدي للمخاطر التي تعيق هذا البناء، وعلى رأسها التصدي لمخاطر الفساد والحد من تأثيره السلبي على بناء مجتمع متماسك ومستقر، وجعل التزام المواطن كهدف ورافعة في الركيزة الأولى التي تُعنى بالنهوض بالتربية والتوعية بقيم النزاهة والمواطنة.

وجاء حديث الراشيدي خلال ندوة وطنية حول “الالتزام المواطن والمساهمة في تدبير الشأن العام ومكافحة الفساد” هذا الأسبوع نظمت بشراكة مع المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي.

زكرياء حلوي: الدور المنوط بمنظمات المجتمع المدني لا يتناقض مع دور مؤسسات الدولة.

وفي هذا الإطار أكد زكرياء حلوي، باحث في القانون العام، لـ”العرب”، أن الدور المنوط بمنظمات المجتمع المدني وما يرمي إليه من تحقيق آمال وطموحات الأفراد والاستجابة لمطالبهم، لا يتناقض مع دور مؤسسات الدولة، بل هو مكمل لها، حيث يساهم المجتمع المدني مع الدولة في تحقيق الأهداف العامة المتمثلة في تنظيم العلاقات الاجتماعية والسياسية بشكل ديمقراطي فاعل، ويضع القواعد والمعايير التي تحكم سلوك الأفراد والجماعات بالشكل الذي يوفق بينهم رغم مطالبهم ومصالحهم المتنوعة والمختلفة بل والمتعارضة أحيانا، وذلك عن طريق توفير الوسائل السلمية للتعبير عنها، ووضع البدائل المنطقية أمام السلطة السياسية لتحقيق أعلى درجة من التوازن بين الحقوق والواجبات بما يمكّن من الحفاظ على النظام الاجتماعي العام.

وعلى مستوى القصور التشريعي، تطالب هيئات المجتمع المدني وأكاديميون، بإقرار نظام قانوني خاص يبين الجهة المخول لها تقديم العرائض والملتمسات، وإضافة عملية إسناد وإحداث هيئات التشاور بين فعاليات المجتمع المدني والسلطات العمومية والجماعات الترابية التي يشوبها الغموض حول كيفية هذا الإحداث وطبيعة آليات الحوار والهيئات المنضوية تحتها.

ودستوريا يتكامل الفصلان 11 و12 من الدستور، في الحديث عن تأسيس وأدوار جمعيات المجتمع المدني والمنظمات غير الحكومية والتي تمارس أنشطتها بحرية، في نطاق احترام الدستور والقانون، وتُساهم بقضايا الشأن العام، والمنظمات غير الحكومية، في إطار الديمقراطية التشاركية، في إعداد قرارات ومشاريع لدى المؤسسات المنتخبة والسلطات العمومية، وكذلك في تفعيلها وتقييمها، حيث تعمل السلطات العمومية على إحداث هيئات للتشاور، قصد إشراك مختلف الفاعلين الاجتماعيين، في إعداد السياسات العمومية وتفعيلها وتنفيذها وتقييمها.

وسجلت أمينة بوعياش، رئيسة المجلس الوطني لحقوق الإنسان، تواصل ديناميكية إنشاء الجمعيات غير الحكومية التي قدر عددها في نهاية 2023 بـ266610 جمعية غير حكومية، تتوزع على كل جهات المملكة وتشتغل في كل القضايا، وأن المجلس قام بدعم العشرات من الجمعيات التي تعمل على قضايا متعددة، منها التراث الحساني، والقضايا النسائية، والأشخاص في وضعية إعاقة، والأدب والموسيقى، فضلا عن جمعيات تهتم بالنهوض بالحقوق السياسية والمدنية بما فيها الحق في التعبير.

وأطلق الاتحاد الأوروبي في العام الماضي بالرباط، برنامج الدعم الإستراتيجي للمجتمع المدني، بحضور باتريسيا لومبارت كوساك، سفيرة بعثة الاتحاد الأوروبي بالمغرب، بالإضافة إلى عدد من السفراء وممثلي الدول الأعضاء بالاتحاد الأوروبي، بميزانية تبلغ 100 مليون درهم على مدى أربع سنوات، وذلك لتمكين المجتمع المدني من الآليات اللازمة للقيام بدور محوري في الديناميكيات المجتمعية، عبر إدماج جيد وفعال لمنظمات المجتمع المدني في صياغة وتنفيذ وتتبع وتقييم البرامج والسياسات العمومية.

وعلى المستوى الحكومي أشار مصطفى بايتاس، الوزير المنتدب لدى رئيس الحكومة المكلف بالعلاقات مع البرلمان الناطق الرسمي باسم الحكومة، إلى مساهمة جمعيات المجتمع المدني في جميع الورشات الوطنية الكبرى بما فيها ورش إصلاح منظومة التربية والتكوين بالمغرب، وهو ما يعكس طموح الوزارة القوي للنهوض بأدوار ومساهمات جمعيات المجتمع المدني، إلى جانب المؤسسات التعليمية والجامعة المغربية في إنتاج المعرفة ذات الصلة بالمجال الجمعوي الذي سيكون له وقع كبير وتأثير بارز في المشهد الجمعوي بالمغرب.

ولهذا فالمجتمع المدني مطالب بجعل التزام المواطن كهدف ورافعة في الركيزة الأولى التي تُعنى بالنهوض بالتربية والتوعية بقيم النزاهة والمواطنة، إذ ذكر رئيس الهيئة الوطنية للنزاهة والوقاية من الرشوة ومحاربتها، أن هيئة النزاهة والمجلس الاقتصادي والاجتماعي “تَحْدوهما الرغبة نفسها في النهوض بدور المواطنين، أفرادا أو جماعات في هيئات المجتمع المدني، في بلورة القرارات العمومية وفي تجويد السياسات العمومية، وتوجيهها لتحقيق التنمية على أُسسِ ومبادئِ النزاهة والشفافية والمسؤولية.”

وفي هذا الصدد شدد زكرياء حلوي، أنه يجب التركيز اليوم على مدى فاعلية وديناميكية مكونات المجتمع المدني كآلية مهمة في سبيل ترسيخ وتعزيز الديمقراطية، والعمل على نجاعة أدواره في الدفاع عن مصالح المجتمع، وتقديم البدائل والحلول الكفيلة ببلورة سياسات عامة ناجعة، والرفع من القيود التشريعية والتنظيمية التي تعترض عمله وتعيق تحقيق أهدافه بالشكل الذي يكون للمجتمع المدني الأهلية الكاملة في رفد عملية التحول الديمقراطي، فلا تقتصر مهمة تسيير أمور المجتمع على الحكومة أو الدولة، وإنما يتمكن الشعب من المشاركة الفعالة في تدبير شؤونه.

وتحدث المجلس الوطني لحقوق الإنسان عن بعض التحديات التي تحول دون تطور الفعل الجمعوي، منها ما هو إداري مرتبط بالممارسات الصادرة عن بعض الموظفين الإداريين، إضافة إلى استمرار بعض العراقيل التي تعيق أحيانا عملية تأسيس الجمعيات أو تجديد هياكلها أو استغلالها القاعات العمومية لتنظيم أنشطتها طبقا لأهدافها المسطرة في قوانينها الأساسية، وقد أوصى المجلس، بإطلاق مسلسل للمشاورات بين مختلف الفاعلين المدنيين والمؤسساتيين من أجل مراجعة قانون الجمعيات وتنظيم الحياة الجمعوية، مع الأخذ في الاعتبار التطورات التي تعرفها منظومة الحقوق المتعلقة بحرية الجمعيات.