ها نحن ..
وفجأة تم تجميد برامج الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية USAID، أكبر مانح للمساعدات الثنائية على وجه الأرض، من قبل الرئيس الأمريكي ترامب الأسبوع الماضي. وحجب الموقع الالكتروني للوكالة والآن تعمل إدارة ترامب على وضع هذه المؤسسة المستقلة تحت مظلة وزارة الخارجية.
أكثر من ذلك، وصف إيلون ماسك، الذي يشغل الآن منصبا رئيسيا في حكومة ترامب، – وصف- الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية بأنها “مجرمة” وقال إن “الوقت قد حان لتموت!”.
كنا نظن افتراضا أن تجميد المساعدات سيكون مؤقتا، لكن من دون شك أنها قد لا تستأنف. فبالنسبة لعدد كبير من المنظمات (بما في ذلك بعض أعضاء منظمة WINGS الخيرية العالمية) فتأثير هذا التجميد واضح وقد ندخل مرحلة عالم “ما بعد المساعدات” كما يسميه الكثيرون.
قطاعنا – أي قطاع العمل الخيري – يتعرض للصدمة ويتساءل عن كيفية تدارك وتوفير ما يمكن توفيره، وما يمكن توقعه بعد ذلك.
حسنا، قبل التفكير فيما سيحدث بعد ذلك، دعنا نتذكر ما حدث للتو.
لقد أعلنت هولندا عن خفض مساعداتها التنموية بمقدار 2.4 مليار يورو، وألمانيا بمقدار 2 مليار يورو، وفرنسا بنسبة ما يقرب من 40 في المائة، وتم مؤخرا إعلان بوادر مماثلة من قبل سويسرا وبلجيكا. الآن ماذا يمكن أن يحدث بعد ذلك؟ الانتخابات قادمة في مختلف البلدان الأوروبية والرياح لا تهب في اتجاه زيادة التضامن الدولي. نلاحظ استمرار الأجندات القومية والتوترات الجيوسياسية في الازدياد.
يمكننا أن نشعر بالقلق من أن بعض المؤسسات الخيرية قد تعيد توجيه عطاءها لتتماشى مع روح العصر الجديدة، على سبيل المثال التجريد من قضايا مثل المناخ أو العدالة الاجتماعية.
ماذا يعني هذا بالنسبة للتضامن الدولي بشكل عام (دون الإشارة إلى ما يعني ذلك بالنسبة للعمل الاجتماعي المتواصل والنشط في دول جنوب الكرة الأرضية)؟ نحن نتحدث عن تحول “تكتوني” وخطر كبير لهذه الجهات الإنمائية الخيرية الفاعلة التي تعتمد بشكل كبير على تمويل دول الشمال، سواء العام والخاص.
في المقابل، يمكن لهذا المأزق أن يسرع عملية التراجع الديمقراطي في جميع أنحاء العالم وتغذية الأزمات المتعددة الحقيقية التي تواجهها البشرية.
الحقيقة، كل هذا ليس جديد، كنا نعرف اتجاه السفر.. ولكن ما الذي يمكن أن يفعله العاملين في المجال التنموي الخيري – هذا المجال المتنوع والانتقائي والصغير نسبيا؟ جزء من الإجابة هو مواصلة ما نقوم به والقيام به بشكل أفضل، مع مزيد من المرونة والدعم طويل الأجل وابتكار الأساليب التعاونية، ومساعدة المجتمعات التي ندعمها على التغلب على قدر أكبر من عدم اليقين ومحاولة زيادة مستويات العطاء لدينا.
ولكن إذا دقت ساعة الحساب وأشارت إلى أن هذا غير كافي، فهذا هو الوقت. وهنا نتساءل هل يجب أن يتدخل العمل الخيري ويسد الفجوات المالية المتزايدة؟
نعم، ولكن ليس كما نعتقد.
من المطمئن أن نرى مؤسسات مثل Bloomberg Philanthropies تقرر التعويض عن انسحاب حكومتها من الاتفاقيات الدولية وخاصة تمويل اتفاقية الإطار الأممية بشأن تغير المناخ، لكن هذه الأنواع من العلاجات، على الرغم من أنها جديرة بالثناء ومطلوبة على المدى القصير، إلا أنها يمكن أن تؤدي في النهاية إلى تفاقم المشكلة. من المؤكد حلول الفاعلين في القطاع الخاص من أصحاب الثروات غير المنتخبين محل الحكومات الديمقراطية في مسؤوليتهم والتزاماتهم الدولية من شأنه أن يغذي المزيد من زعزعة الثقة.
وحتى لو كانت استراتيجيات الاستبدال هذه تشاركية وديمقراطية وشفافة بالكامل (مثل هذه النماذج موجودة في مجالنا)، فإنها لن تحل المعادلة الأوسع: قطاعنا ليس لديه السيولة. لأن قيمتها المضافة تكمن في قدرتها على المخاطرة، والذهاب إلى حيث لا يستطيع الآخرون أو لا يريدون ذلك، وبناء الجسور، وما إلى ذلك، أكثر من المبالغ التي يمكننا وضعها على الطاولة.
إن التقدم بالمؤسسات في هذه المرحلة الحرجة يعني الاستثمار في إطلاق العنان للقوة الجماعية للعمل الخيري، لا سيما في جنوب الكرة الأرضية حيث تكون آثار المساعدات ملموسة بشكل أكثر. وذلك من خلال الاستثمارات الكبيرة في حملات العطاء المحلية، وهيئات وشبكات المرافعة، وآليات الشراكة لأصحاب المصلحة المتعددين، ومنصات التنسيق، والصناديق المجتمعية، ومنصات التبرع عبر الإنترنت، وغيرها من الجهات الفاعلة في المنظومة التنموية الخيرية، فإن الإمكانات هائلة لجعل الموارد الحالية أكثر فعالية وتحويلية، وتنمية الاستفادة للجميع، وضمان أن يكون أساس تمويل المجتمع المدني أكثر توزيعا ومحليا.
إن تعزيز العمل الخيري المحلي، بما في ذلك من الطبقة الوسطى والشركات الصغيرة والتبرعات الشعبية، سيزيد من المرونة المالية في الأوقات الصعبة، ولكن الأهم من ذلك، أنه سيعزز المرونة السياسية لأنه يتصدى للسرد المتزايد حول تأثير العملاء الأجانب ويجعل من الصعب على الحكومات الاستبدادية اتخاذ إجراءات صارمة ضد الجهات الفاعلة في التغيير الاجتماعي.
ويعني التدخل أيضا بناء الجسور داخل مجالنا وعبر المناطق، لدعم بعضنا البعض والتعلم من بعضنا البعض في السياقات الصعبة، وتنظيم الصوت الجماعي لقطاعنا على المستوى العالمي قبل فوات الأوان لسماع صوته. تماما كما ترفع المؤسسات صوتها الجماعي على المستوى الوطني، يجب أن يجتمع القطاع في تنوعه على المستوى العالمي.
إن الاستثمار في إمكانات العطاء محليا وإقليميا وعالميا هو ما سيخلق نوعا من التأثير المضاعف الذي يحتاجه الفاعلون في التأثير الاجتماعي والتغيير الاجتماعي بشكل عاجل أكثر من أي وقت مضى في هذا السياق الحرج.
قد يبدو الأمر غير منطقي: التخفيضات في الموارد العامة تعني المزيد من الإلحاح لسد الفجوات القريبة من ما نحن عليه. في حين أن هذا صحيح، نحتاج أيضا إلى تكريس أجزاء من مواردنا المحدودة لطرق جديدة للعمل. في مثل هذه اللحظات كما يقول المثل، من الملح أن نأخذ وقتنا ونفكر في التأثير الجماعي طويل الأجل.
لدى WINGS مجموعة متزايدة من الأدلة التي تثبت قيمة الاستثمارات في المنظومة الخيرية وتأثيرها المضاعف في زيادة وتحسين التمويل الخاص للمجتمع المدني. ومن المفارقات أن مشاركتنا الحالية كشريك تقني في برنامج الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية “مدعوم من الشعب”، والذي تم تجميده الآن، تركز بالضبط على هذه المسألة: توثيق كيف تلعب المنظومة الخيرية الشعبية دورا حاسما في تنمية قاعدة التمويل للحركات الاجتماعية في جميع أنحاء العالم، وخاصة التمويل المحلي والأكثر توزيعا، وكيف يزيد ذلك من الشرعية المحلية للمجتمع المدني وقدرته على الصمود في سياق تقلص الفضاء المدني.
نأمل أن نتمكن من مواصلة هذا العمل الحاسم وبناء حجج أقوى للممولين للاستثمار في هذه المنظومة. ونظرا للحاجة الملحة والأهمية الواضحة لمثل هذه الاستراتيجيات كجزء من الاستجابة، آمل أن يتقدم مجالنا ويتبنى هذه النهج.
في هذا المنعطف الحرج، يمكن أن يسير العمل الخيري في اتجاهين مختلفين:
- إعادة التركيز على الاحتياجات الفورية، ومحاولة سد الفجوات بموارد المنظمات الخيرية الفردية، والحد من المشاركة الدولية، والاكتفاء بالعمل على القضايا المحلية. هذا ما أفترض أن عددا كبيرا من المؤسسات الخيرية تفكر فيه.
- الاحتمال الآخر هو أننا نرى أخيرا تحركا نحو العمل الجماعي، عقلية التمكين، الاستثمار في المنظومات، تمفصل محلي / عالمي أكبر والالتقائية في داخل الحدود وعبرها.
هل سيجعلنا الركود نكرر العمل على نفس الشيء؟ هل سنحتاج إلى رؤية المزيد من الدمار، وتلاشي أثر البرامج الخيرية بسبب الاضطرابات الخارجية التي ستستمر في الضرب، إلى أن نضطر إلى اتخاذ إجراءات جماعية ونضطر للعمل على تداعيات التأثير المباشر لهذا التراجع؟ أم أن هذ الذي يحدث سيكون أخيرا بمثابة دعوة للاستيقاظ للتفكير بشكل مختلف واتخاذ إجراءات جماعية؟
بالنسبة لأولئك الذين يريدون أن يسلكوا هذا المسار، نحن هنا لدعم بعضنا البعض. هناك كوكبة من الجهات الفاعلة المحلية والوطنية والإقليمية والعالمية التي اجتمعت معا من خلال WINGS. نحن – في WINGS – على استعداد لإعادة وهج التعاون وإطلاق إمكانات العمل الخيري على جميع مستويات المجتمع.
نحن منظمون بشكل كافي لرفع أصوات متنوعة وشاملة في المجال وتسريع الاستثمار في المنظومة الخيرية بالانفتاح على المزيد من الموارد وأفضلها في جميع أنحاء العالم. الأمر متروك الآن للمؤسسات المعنية للإيمان والاستثمار في القوة الجماعية لمجالنا، والعمل بمقولة “ساعد نفسك إذا كنت تريد مساعدة الآخرين”.
ترجمه Sosupport عن المقال الصادر بمجالة التحالف Alliance magazine بتاريخ 3 فبراير 2025.